في يناير 1937، وقبيل نهاية فترة رئاسة فرانكلين روزفلت الأولى، نشرت مجلة «لايف» خريطة للولايات المتحدة تحت عنوان «ماذا فعل الرئيس روزفلت بخريطة الولايات المتحدة خلال أربع سنوات بمبلغ 6,500,000,000 دولار؟».
كانت هناك رسومات عديدة صغيرة متناثرة حول الخريطة، وكل منها يوضح مشروعاً ممولا من برنامج التحفيز. وتضمنت هذه المشاريع جسر ترايبورو وأنفاق ميد تاون في مانهاتن وكباري في كيب كود، ومدارس في كارولينا الجنوبية ومساكن للطلاب في جامعة تكساس التقنية وقاعة محاضرات في كانساس سيتي وقناة في لوس أنجلوس وسد جراند كولي. ولخص عدد قليل من الرسومات مشاريع أوسع نطاقاً مثل حاملتي طائرات أميركيتين و120 مطاراً أميركياً.
منذ توليه منصبه عام 1933، لم ينقذ روزفلت البلاد من الكساد العظيم، لكنه تأكد من أنها تعلم بأنه أنقذها. كانت مشاريعه كبيرة، وملموسة وبلا شك من عمل الحكومة الفيدرالية. وقد غيرت المشاريع طريقة تفكير الأميركيين في الحكومة.
وفي العقود الأخيرة، كثيراً ما نسي «الديمقراطيون» ذلك الدرس. لقد وضعوا سياسات أنيقة تكنولوجياً تعمل على تحسين حياة المواطنين، مثل الإعفاءات الضريبية أو إعانات التأمين. والمشكلة مع هذا النهج هي أنه لا يعمل بشكل جيد على بناء الدعم الشعبي للعمل الحكومي. وكان التفكير بهذه الطريقة: كم عدد المشاريع التي يتضمنها برنامج باراك أوباما التحفيزي؟ وهل يمكنك ذكر أي مشروع أو وكالة أنشأها بيل كلينتون؟
لقد كان كلينتون وأوباما رئيسين ناجحين. ومع ذلك كانت إداراتهما تعرقلها سذاجة معينة. وأحياناً كان المسؤولون يحاولون تحسين تصميم السياسات بينما يتجاهلون بفخر التأثير السياسي، كما لو كان الأمران يمكن فصلهما في أي ديمقراطية.
أما الجمهوريون فلا يعانون من هذه السذاجة. فهم يدفعون مراراً وتكراراً سياسات ترمي إلى التأثير على السياسة، مثل تحرير تمويل الحملات الانتخابية، وشروط التصويت وقيود النقابات. فالجمهوريون يدركون أن خطة ما يمكن أن تؤثر على السياسة بطرق تجعل التغييرات السياسية المستقبلية أكثر أو أقل احتمالا.
وفي السنوات القليلة الماضية، بدأت ردود الأفعال إزاء سياسة تحظى بمزيد من الاهتمام في الدوائر التقدمية. ومن بين السياسيين الأكثر اهتماماً بهذا الموضوع مرشحة الرئاسة اليزابيث وارين.
بينما كانت بقية إدارة أوباما تدفع مشروع قانون الإصلاح المالي، كانت وارين تصر على فكرة تحمل نفس بساطة روزفلت. وأصبح مكتب الحماية المالية للمستهلك هو الذي يحاول حماية الناس من التعرض للخداع أو الغش من قبل البنوك.
إن أجندة وارين الرئاسية تتضمن العديد من الأفكار التي يسهل فهمها، مثل زيادة 200 دولار شهرياً في مزايا الضمان الاجتماعي، وخفض أسعار الأنسولين وعقاقير أخرى، وإلغاء حتى 50,000 دولار من ديون الطلاب وضريبة الثروة. وخلال مقابلة أجريتها معها مؤخراً، أشرت إلى أنه يبدو أنها تعتقد بأن الأفكار الأكبر كانت أحياناً أسهل في تحقيقها من الأفكار الأكثر تواضعاً. وقالت وارين إن الأفكار الكبيرة يمكن أن تلهم الناس، وليس الإعفاءات الضريبية.
إنني لا أتفق مع كل أفكار وارين (انظروا إلى الرعاية الطبية للجميع)، لكني أعتقد أنها ترمي إلى شيء مهم هنا. فعدم المساواة الشديدة يعتمد على إقناع المزيد من الأميركيين بأن الحكومة هي قوة من أجل الخير. وأفضل طريقة لتحسين صورة الحكومة ليست من خلال خطابات السياسيين المؤثرة، بل بالأحرى من خلال نسخة من كليشيهات الصحافة القديمة: الفعل وليس القول. وكما قال «جاكوب هاكر»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ييل: «أنت تريد الناس أن يكونوا قادرين على رؤية الطريقة التي تساعدهم بها الحكومة، ولديها مصلحة في الدفاع عنهم». ولا يزال برنامج أوباما التحفيزي هو المثال القانوني. فبدلاً من حمل الأميركيين على إنفاق المزيد من تخفيضات الضرائب التحفيزية، قامت الإدارة بتسريب الأموال إلى شيكات الأشخاص، بدلاً من إرسال شيكات لمرة واحدة.
وقد نجح ذلك، من الناحية الاقتصادية، وارتفع الإنفاق، مما ساعد على إنهاء الأزمة المالية. أما سياسياً، فقد فشلت. حيث منح العديد من الأميركيين أوباما القليل من الفضل وصوتوا لـ«الجمهوريين» في انتخابات التجديد النصفي لعام 2010، مما أدى إلى القضاء على أجندته التشريعية الأكبر. كانت التخفيضات الضريبية الخفية فكرة جيدة، لكن كان من الضروري إقرانها بأشكال أكثر وضوحاً من الحوافز، مثل المشروعات الموضوعة على خريطة مجلة «لايف».
وأحد الأسباب وراء اتباع «الديمقراطيين» المعاصرين سياسات تكنوقراطية هو الرغبة في الفوز ببعض أصوات الجمهوريين في الكونجرس. لكن ذلك لم يتحقق على الإطلاق. واليوم، أصبح الحزب الجمهوري متشدداً للغاية، وتُرك الديمقراطيون يدافعون عن برامج معقدة، مثل خطط التأمين الخاصة في برنامج أوباماكير، بدلاً من الخطط البسيطة الشعبية، مثل الرعاية الطبية الموسعة، المفتوحة لجميع من يريدونها.
ولا ينبغي على الرئيس الديمقراطي القادم، أياً كان، أن يكرر هذا الخطأ.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»